فصل: تفسير الآية رقم (282):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآية رقم (275):

{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)}
قوله عز وجل: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا} يعني يأخذون الربا فعبر عن الأخذ بالأكل لأن الأخذ إنما يراد للأكل، والربا: هو الزيادة من قولهم: ربا السويق يربو إذا زاد، وهو الزيادة على مقدار الدَّيْنِ لمكان الأجل.
{لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} يعني من قبورهم يوم القيامة، وفيه قولان:
أحدهما: كالسكران من الخمر يقطع ظهراً لبطن، ونسب إلى الشيطان لأنه مطيع له في سكره.
والثاني: قاله ابن عباس، وابن جبير، ومجاهد، والحسن: لا يقومون يوم القيامة من قبورهم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ، يعني الذي يخنقه الشيطان في الدنيا من المس، يعني الجنون، فيكون ذلك في القيامة علامة لأكل الربا في الدنيا.
واختلفوا في مس الجنون، هل هو بفعل الشيطان؟
فقال بعضهم: هذا من فعل الله بما يحدثه من غلبة السوداء فيصرعه، ينسب إلى الشيطان مجازاً تشبيهاً بما يفعله من إغوائه الذي يصرعه.
وقال آخرون: بل هو من فعل الشيطان بتمكين الله له من ذلك في بعض الناس دون بعض، لأنه ظاهر القرآن وليس في العقل ما يمنعه.
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} قيل إنه يعني ثقيفاً لأنهم كانوا أكثر العرب رباً، فلمّا نهوا عنه قالوا: كيف ننهى عن الربا وهو مثل البيع فحكى الله تعالى ذلك عنهم، ثم أبطل ما ذكروه من التشبيه بالبيع فقال تعالى: {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} وللشافعي في قوله: {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها من العامِّ الذي يجري على عمومه في إباحة كل بيع وتحريم كل ربا إلا ما خصهما دليل من تحريم بعض البيع وإحلال بعض الربا، فعلى هذا اختلف في قوله، هل هو من العموم الذي أريد به العموم، أو من العموم الذي أريد به الخصوص على قولين:
أحدهما: أنه عموم أريد به العموم وإن دخله دليل التخصيص.
والثاني: أنه عموم أريد به الخصوص.
وفي الفرق بينهما وجهان:
أحدهما: أن العموم الذي أريد به العموم: أن يكون الباقي من العموم من بعد التخصيص أكثر من المخصوص، والعموم الذي أريد به الخصوص أن يكون الباقي منه بعد التخصيص أقل من المخصوص.
والفرق الثاني: أن البيان فيما أريد به الخصوص متقدِّم على اللفظ، وأن ما أريد به العموم متأخِر عن اللفظ ومقترن به، هذا أحد أقاويله:
والقول الثاني: أنه المجمل الذي لا يمكن أن يستعمل في إحلال بيع أو تحريمه إلا أن يقترن به بيان من سنّة الرسول، وإن دل على إباحة البيوع في الجملة دون التفصيل.
وهذا فرق ما بين العموم والمجمل، أن العموم يدل على إباحة البيوع في الجملة ولا يدل على إباحتها في التفصيل حتى يقترن به بيان.
فعلى هذا القول أنها مجملة اختلف في إجمالها، هل هو لتعارض فيها أو لمعارضة غيرها لها على وجهين:
أحدهما: أنه لمَّا تعارض ما في الآية من إحلال البيع وتحريم الربا وهو بيع صارت بهذا التعارض مجملة وكان إجمالها منها.
والثاني: أن إجمالها بغيرها لأن السنّة منعت من بيوع وأجازت بيوعاً فصارت بالسنة مجملة.
وإذا صح إجمالها فقد اختلف فيه:
هل هو إجمال في المعنى دون اللفظ، لأن لفظ البيع معلوم في اللغة وإنما الشرع أجمل المعنى والحكم حين أحل بيعاً وحرّم بيعاً.
والوجه الثاني: أن الإجمال في لفظها ومعناها، لأنه لما عدل بالبيع عن إطلاقه على ما استقر عليه في الشرع فاللفظ والمعنى محتملان معاً، فهذا شرح القول الثاني.
والقول الثالث: أنها داخلة في العموم والمجمل، فيكون عموماً دخله التخصيص، ومجملاً لحقه التفسير، لاحتمال عمومها في اللفظ وإجمالها في المعنى، فيكون اللفظ عموماً دخله التخصيص، والمعنى مجملاً لحقه التفسير.
والوجه الثاني: أن عمومها في أول الآية من قوله: {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}، وإجمالها في آخرها من قوله: {وَحَرَّمَ الرِّبَا}، فيكون أولها عاماً دخله التخصيص، وآخرها مجملاً لحقه التفسير.
والوجه الثالث: أن اللفظ كان مجملاً، فلما بَيَّنَهُ الرسول صار عاماً، فيكون داخلاً في المجمل قبل البيان، في العموم بعد البيان.
ثم قال تعالى: {فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّه فَانتَهَى} في الموعظة وجهان:
أحدهما: التحريم.
والثاني: الوعيد.
{فَلَهُ مَا سَلَفَ} قاله السدي: يعني ما أكل من الربا لا يلزمه رَدُّه.
{وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ} يحتمل وجهين:
أحدهما: في المحاسبة والجزاء.
والثاني: في العفو والعقوبة.
وقيل فيه وجه ثالث: في العصمة والتوفيق.
وقيل فيه وجه رابع: فأمره إلى الله والمستقل في تثبيته على التحريم أو انتقاله إلى الاستباحة.

.تفسير الآيات (276- 277):

{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277)}
قوله تعالى: {يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا} أي ينقصه شيئاً بعد شيء، مأخوذ من محاق الشهر لنقصان الهلال فيه، وفيه وجهان:
أحدهما: يبطله يوم القيامة إذا تصدق به في الدنيا.
والثاني: يرفع البركة منه في الدنيا مع تعذيبه عليه في الآخرة.
{وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} فيه تأويلان:
أحدهما: يثمر المال الذي خرجت منه الصدقة.
والثاني: يضاعف أجر الصدقة ويزيدها، وتكون هذه الزيادة واجبة بالوعد لا بالعمل.
{وَاللهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} في الكَفَّار وجهان:
أحدهما: الذي يستر نعم الله ويجحدها.
والثاني: هو الذي يكثر فعل ما يكفر به.
وفي الأثيم وجهان:
أحدهما: أنه من بَّيت الإِثم.
والثاني: الذي يكثر فعل ما يأثم به.

.تفسير الآيات (278- 281):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)}
قوله عز وجل: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: يأ أيها الذين أمنوا بألسنتهم اتقوا الله بقلوبكم.
والثاني: يأيها الذين أمنوا بقلوبهم اتقوا الله في أفعالكم.
{وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} فيمن نزلت هذه الآية قولان:
أحدهما: أنها نزلت في ثقيف وكان بينهم وبين عامر وبني مخزوم، فتحاكموا فيه إلى عتاب بن أسيد بمكة وكان قاضياً عليها من قِبَل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: دخلنا في الإسلام على أن ما كان لنا من الربا فهو باق، وما كان علينا فهو موضوع، فنزل ذلك فيهم وكتب به رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم.
والثاني أنها نزلت في بقية من الربا كانت للعباس ومسعود وعبد ياليل وحبيب بن ربيعة عند بني المغيرة.
قوله عز وجل: {وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} محمول على أن مَنْ أربى قبل إسلامه، وقبض بعضه في كُفْرِه وأسلم وقد بقي بعضه، فما قبضه قبل إسلامه معفو عنه لا يجب عليه رد، وما بقي منه بعد إسلامه، حرام عليه لا يجوز له أخذه، فأما المراباة بعد الإسلام فيجب رَدُّه فيما قبض وبقي، فيرد ما قبض ويسقط ما بقي، بخلاف المقبوض في الكفر، لأن الإسلام يجبُّ ما قبله.
وفي قوله تعالى: {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} قولان:
أحدهما: يعني أن من كان مؤمنا فهذا حكمه.
والثاني: معناه إذا كنتم مؤمنين.
قوله عز وجل: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا} يعني ترك ما بقي من الربا.
{فَأَذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} قرأ حمزة وعاصم في رواية أبي بكر فآذنوا بالمد، بمعنى: فأعلِموا غيركم، وقرأ الباقون بالقَصْر بمعنى فاعلموا أنتم، وفيه وجهان:
أحدهما: إن لم تنتهوا عن الربا أموت النبي بحربكم.
والثاني: إن لم تنتهوا عنه فأنتم حرب الله ورسوله، يعني أعداءه.
{وَإِن تُبْتُم فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ} يعني التي دفعتم {لاَ تَظْلِمُونَ} بأن تأخذوا الزيادة على رؤوس أموالكم، {وَلاَ تُظْلَمُونَ} بأن تمنعوا رؤوس أموالكم.
قوله عز وجل: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} قيل إن في قراءة أُبَيٍّ {ذَا عُسْرَةٍ} وهو جائز في العربية.
وفيه قولان:
أحدهما: أن الإِنظار بالعسرة واجب في دَيْن الربا خاصّة، قاله ابن عباس، وشريح.
والثاني: أنه عام يجب إنظاره بالعسرة في كل دَيْن، لظاهر الآية، وهو قول عطاء، والضحاك، وقيل إن الإِنظار بالعسرة في دَيْن الربا بالنص، وفي غيره من الديون بالقياس.
وفي قوله: {إِلَى مَيْسَرَةٍ} قولان:
أحدهما: مفعلة من اليسر، وهو أن يوسر، وهو قول الأكثرين.
والثاني: إلى الموت، قاله إبراهيم النخعي.
{وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ} يعني وأن تصدقوا على المعسر بما عليه من الدّيْن خير لكم من أن تُنظروه، روى سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب قال: كان آخر ما نزل من القرآن آية الربا، فدعوا الربا والرُّبْية، وإن نبي الله صلى الله عليه وسلم قبض قبل أن يفسرها.
قوله عز وجل: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} أي اتقوا بالطاعة فيما أمرتم به من ترك الربا وما بقي منه.
و{يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} فيه قولان:
أحدهما: يعني إلى جزاء الله.
والثاني: إلى ملك الله.
{ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ} فيه تأويلان:
أحدهما: جزاء ما كسبت من الأعمال.
والثاني: ما كسبت من الثواب والعقاب.
{وهم لا يظلمون} يعني بنقصان ما يستحقونه من الثواب، ولا بالزيادة على ما يستحقونه من العقاب.
روى ابن عباس أن آخر آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية. قال ابن عباس: مكث بعدها سبع ليال.

.تفسير الآية رقم (282):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)}
قوله عز وجل: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ} إلى آخر الآية. في {تداينتم} تأويلان:
أحدهما: تجازيتم.
والثاني: تعاملتم.
وفي {فَاكْتُبُوهُ} قولان:
أحدهما: أنه ندب، وهو قول أبي سعيد الخدري، والحسن، والشعبي.
والثاني: أنه فرض، قاله الربيع، وكعب.
{وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} وعَدْل الكاتب ألاّ يزيد فيه إضراراً بمن هو عليه، ولا ينقص منه، إضراراً بمن هو له.
{وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ} وفيه أربعة أقاويل:
أحدهما: أنه فرض على الكفاية كالجهاد، قاله عامر.
والثاني: أنه واجب عليه في حال فراغه، قاله الشعبي أيضاً.
والثالث: أنه ندب، قاله مجاهد.
والرابع: أن ذلك منسوخ بقوله تعالى: {وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ}، قاله الضحاك.
{وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} يعني على الكاتب، ويقرُّ به عند الشاهد.
{وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً} أي لا ينقص منه شيئاً.
{فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: أنه الجاهل بالصواب فيما عليه أن يملّه على الكاتب، وهو قول مجاهد.
والثاني: أنه الصبي والمرأة، قاله الحسن.
والثالث: أنه المبذر لماله، المُفْسِد في دينه، وهو معنى قول الشافعي.
والرابع: الذي يجهل قدر المال، ولا يمتنع من تبذيره ولا يرغب في تثميره.
{أَوْ ضَعِيفاً} فيه تأويلان:
أحدهما: أنه الأحمق، قاله مجاهد، والشعبي.
والثاني: أنه العاجز عن الإِملاء إما بِعيٍّ أو خُرْسٍ، قاله الطبري.
{أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أنه العييّ الأخرس، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه الممنوع عن الإِملاء إما بحبس أو عيبة.
والثالث: أنه المجنون.
{فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} فيه تأويلان:
أحدهما: وليّ مَنْ عليه الحق، وهو قول الضحاك، وابن زيد.
والثاني: وليّ الحق، وهو صاحبه، قاله ابن عباس، والربيع.
{وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَينِ مِن رِّجَالِكُمْ} فيه قولان:
أحدهما: من أهل دينكم.
والثاني: من أحراركم، قاله مجاهد.
{فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} يعني فإن لم تكن البينة برجلين، فبرجل وامرأتين {مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَآءِ} فيه قولان:
أحدهما: أنهم الأحرار المسلمون العدول، وهو قول الجمهور.
والثاني: أنهم عدول المسلمين وإن كانوا عبيدا، وهو قول شريح، وعثمان البتّي، وأبي ثور.
{تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا} فيه وجهان:
أحدهما: لئلا تضل، قاله أهل الكوفة.
والثاني: كراهة أن تضل، قاله أهل البصرة.
وفي المراد به وجهان:
أحدهما: أن تخطئ.
والثاني: أن تَنْسَى، قاله سيبويه.
{فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} فيه تأويلان:
أحدهما: أنها تجعلها كَذَكَرٍ من الرجال، قاله سفيان بن عيينة.
والثاني: أنها تذكرها إن نسيت، قاله قتادة، والسدي، والضحاك، وابن زيد.
{وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: لتحَمُّلها وإثباتها في الكتاب، قاله ابن عباس، وقتادة، والربيع.
والثاني: لإِقامتها وأدائها عند الحاكم، قاله مجاهد، والشعبي، وعطاء.
والثالث: أنها للتحمل والأداء جميعاً، قاله الحسن.
واختلفوا فيه على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه ندب وليس بفرض، قاله عطاء، وعطية العوفي.
والثاني: أنه فرض على الكفاية، قاله الشعبي.
والثالث: أنه فرض على الأعيان، قاله قتادة، والربيع.
{وَلاَ تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ} وليس يريد بالصغير ما كان تافهاً حقيراً كالقيراط والدانق لخروج ذلك عن العرف المعهود.
{ذلكم أقسط عند الله} أي أعدل، يقال: أَقْسَطَ إِذا عَدَلَ فهو مُقْسِط، قال تعالى: {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9] وقَسَطَ إذا جار، قال تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً} [الجن: 14]. {وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ} فيه وجهان:
أحدهما: أصحُّ لها، مأخوذ من الاستقامة.
والثاني: أحفظ لها، مأخوذ من القيام، بمعنى الحفظ.
{وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ} يحتمل وجهين:
أحدهما: ألا ترتابوا بِمَنْ عليه حق أن ينكره.
والثاني: ألاّ ترتابوا بالشاهد أن يضل.
{إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن الحاضرة ما تعجّل ولم يداخله أجل في مبيع ولا ثمن.
والثاني: أنها ما يحوزه المشتري من العروض المنقولة.
{تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ} يحتمل وجهين:
أحدهما: تتناقلونها من يد إلى يد.
والثاني: تكثرون تبايعها في كل وقت.
{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا} يعني أنه غير مأمور بكتْبِه وإن كان مباحاً.
{وَأَشَهِدُوآ إِذَا تَبَايَعْتُمْ} فيه قولان:
أحدهما: أنه فرض، وهو قول الضحاك، وداود بن علي.
والثاني: أنه ندب، وهو قول الحسن، والشعبي، ومالك، والشافعي.
{وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أن المضارة هو أن يكتب الكاتب ما لم يُمْل عليه، ويشهد الشاهد بما لم يُستشهد، قاله طاووس، والحسن، وقتادة.
والثاني: أن المضارّة أن يمنع الكاتب أن يكتب، ويمنع الشاهد أن يشهد، قاله ابن عباس، ومجاهد، وعطاء.
والثالث: أن المضارّة أن يدعى الكاتب والشاهد وهما مشغولان معذوران، قاله عكرمة، والضحاك، والسدي، والربيع.
ويحتمل تأويلاً رابعاً: أن تكون المضارّة في الكتابة والشهادة.
{وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ} فيه تأويلان:
أحدهما: أن الفسوق المعصية، قاله ابن عباس، ومجاهد، والضحاك.
والثاني: أنه الكذب، قاله ابن زيد.
ويحتمل ثالثاً: أن الفسوق المأثم.